رحلة مختصرة في مسيرة حياة الأب جميل نيسان السناطي
|
- كليانا-جميل ابن نيسان اسنختايا وتريزة حنا…. هكذا وجدت اسمي مكتوباً باللغة الكلدانية فقط، على ورقة بين اوراق عديدة مبعثرة، دون ترتيب او ترقيم في فايل (سجل) عماذ كنيسة مار كوركيس بزاخو، عندما كنت كاهناً هناك من تشرين الاول 1963 الى سنة 1970. فقمت بتسجيل ما في تلك الاوراق المبعثرة في سجل منظم، فسجلت تأريخ ولادتي وعماذي 1938/08/07.
- دَرستُ المرحلة الابتدائية في زاخو، في مدرسة زاخو الاولى الابتدائية، لا زالت بنايتها قائمة الى اليوم. وكلما اسافر الى زاخو، أمرّ من امامها بفرح واعتزاز…. ان التأريخ، مهما كان وكيفما كان، عندما نتذكره، نتذكره بفرح واعتزاز ونشوة.
- في 24/9/1952 ارسلني كاهن خورنتي مار كوركيس في زاخو، المرحوم الخوري ادور بيكوما، ارسلني الى المعهد، معهد شمعون الصفا الكهنوتي بالموصل، كان مقرراً، حسبما كنت اسمع من والدي ان يرسلوني الى معهد مار يوحنا الحبيب، ولا ادري لماذا حصل هذا التغيير.
- كنا 16 طالباً دخلنا المعهد تلك السنة، اتذكر منهم:
ابلحد كساب (المطران جبرائيل كساب)/ سرهد يوسف جمو (المطران سرهد جمو)/ دانيال البازي/ سمير (روفائيل) من الموصل/ شمعون (من كرمليس)/ قرياقوس (من تلسقف)/ يوسف (من باطنايا)/ جبرائيل (من بغداد) اظن كان اسمه فهمي/ وليم (من بغداد)/ آخر من لبنان، لا اتذكر اسمه/ جميل نيسان (دعي اسمي في المعهد ميخائيل)/ و 3 من ايران.
- ثلاثة منّا فقط أصبحنا كهنة:
المطران جبرائيل كساب/ المطران سرهد جمو/ القس جميل نيسان (لازلت مراوحاً في الكهنوت)
- كانت ادارة المعهد انذاك تتألف من:
المرحوم الاب (المطران) كوركيس كرمو – مدير/ المرحوم الاب (البطريرك) روفائيل بيداويذ – معاون المرحوم الخوري جبرائيل باكوس – مدبر.
ثم التحق الاب بولس بشي الى المعهد عوض الاب روفائيل بيداويذ، الذي أصبح حينذاك مدبراً لابرشية كركوك. والاب عمانوئيل خوشابا، معلم اللغة العربية. والاب عمانوئيل موسى الراهب – مدبراً عوض الاب جبرائيل باكوس.
- درست في الموصل، في المعهد، سنوات الاعدادية، وسنتين الفلسفة وسنتين اللاهوت.
في ذهني وذاكرتي كثير من ذكريات وحوادث هذه الفترة، اتذكرها وكأنها حدثت البارحة، اتذكر الكثير منها بكل تفاصيلها. كان فيها الحلو، ولكن كان فيها كثيرٌ من المر والتقشف.
- وفي سنة 1960 شهر ايلول، انتقل المعهد الى بغداد، بسبب الظروف الامنية الغير المستقرة في الموصل، وبسبب انتقال كرسي البطريركية من الموصل الى بغداد، في بيت كبير في منطقة بارك السعدون وبادارة جديدة، اباء كرمليون من الهند لا يتكلمون العربي، الاب فابيان والاب مارسيل.
- في تلك السنة تمت رسامة 3 تلاميذ كهنة سنة 1961 وهم:
المرحوم القس يوحنان جولاغ، القس بولس خمي والقس (المطران) جبرائيل كساب.
- وفي نهاية ايلول من سنة 1961 انتقل المعهد الى حي الدورة، منطقة صحراوية معدومة الخدمات تبتعد عن شارع المصافي حوالي 3 كم منطقة لا ينبت فيها غير حشيش الجت، لا كهرباء لا ماء لا طرق، وقيل لنا قبل ان نراها، انها جنة عدن، نهر الدجلة عن يمينكم، والبساتين عن شمالكم. وإذا بها خالية خاوية من كل مقومات العيش. لا انس ولا جنس، عدا بناية، قاعة كبيرة حُشرنا فيها، وبيتان للكهنة غير مكتمل بناءُهما.
وكيف يمكن ان يُنسى منظر المرحوم الاب حنا براتس المخلصي، رفيق ابونا كوب، حاملاً على ظهره كيس الصمون من شارع المصافي في الدورة الى موقع المعهد، عندما كانت الدنيا تمطر. كيف ننسى الثلاثين ابرة التي تحملها وهو الممنون، التلميذ يوسف ايشوع ضد داء الكلب، بسبب تحرشه بثعلبة ام وهي في ثقب مع فراخها وإذا بها تعضه بغضب من يده، وصوت صراخه شق السماء، وحالاً نُقل الى بغداد ليخضع الى ضرب الثلاثين أبرة.
ولا زالت في اجسام بعضنا تقرحات سامة بسبب لسعات حشرات البق التي كانت تهاجمنا ليلاً وهي غير مصدقة بحصولها على هذه الوجبات الدسمة من دم الانسان الذي غزا موطنها لاول مرة.
وهل ننسى فرق الحراسات التي كنا نقوم بها تحت قيادة المرحوم الاب يوحنان جولاغ، بسبب كثرة الحرامية والسراق الذين كانوا يسرقون كل ما وجدوه، من لوكسات، والفوانيس، وقناني الغاز، الى ان اضطررنا ان نجلب لنا حارساً ليلياً اسمه عطية.
- في هذه الفترة، في بداية سنة 1962 بوشر بوضع اساسات بنايتي المعهد الكبيرتين، وقد ساهم التلاميذ بردم اساسات البناية بالحجر والسمنت.
- اقتبلت الرسامات، القارئية والرسائلية والانجيلية كلها في كابلة المعهد، بين فترات متقاربة. رسمت كاهناً يوم الجمعة تذكار قلب يسوع 1962/06/29 من يد المرحوم مار بولس الثاني شيخو بطريرك بابل على الكلدان، وعلى عهد المطران توما رئيس مطران ابرشية زاخو، عند رسامتي كان محجوزاً في الشمال مع الاب عمانوئيل رئيس ومع الشماس يونان مرافقيه. كنت لوحدي عند الرسامة، في كاتدرائية أم الاحزان.
بقيت سنة دراسية كاملة في المعهد بالدورة (عشت في دير الاباء المخلصين، كنت ادرس بعض المواد اللاهوتية، وادرّس التلاميذ في قسم الصغار، مادة اللغة الكلدانية ومادة الجغرافية).
- في نهاية السنة الدراسية 62-63 في تموز 1963 سافرت الى القدس وعمان ودمشق وبيروت مدة شهر بمعية الاب (المطران) ابراهيم ابراهيم، والاب (المطران) جبرائيل كساب والاب عمانوئيل خوشابا، لاول مرة اسافر الى خارج العراق.
- في تشرين الاول 1963 التحقت بابرشيتي زاخو في خورنة ماركوركيس الى سنة 1972. في شهر اذار ولسنة غير كاملة عشتها متنقلاً في قرى الشمال الجبلية، سناط، إمرا (ديره شيش)، بهنونا، دشتتاخ، يردا (ايرا) والانش.
- عند رجوعي الى زاخو، إذا بالمرحوم المطران يوسف بابانا يقول لي لقد عينتك في دهوك بسبب سفر خوريها، الخوري فرنسيس اليشوران الى فرنسا. ففي 1972/12/21 سافرت الى دهوك، حيث خدمت فيها في خورنة الانتقال الى 1974/10/04.
- وعلى عهد المرحوم المطران حنا بولص سافرت الى روما للدراسة برفقة المرحوم الشهيد المطران فرج رحو؛ الى نهاية 1978- درست اللاهوت الادبي في الانجيليكوم للاباء الدومنيكان والعلوم العربية الاسلامية في معهد الاباء البيض في روما ايضاً.
- شهادتي في اللاهوت (سكن دكتور) وفي الاسلاميات (مضمد).
- ومن روما طلب مني المرحوم البطريرك بولس الثاني شيخو، بواسطة الاب (المطران) ابراهيم ابراهيم، ان ارجع الى بغداد، وليس الى زاخو ابرشيتي لاستلام خورنة (بيت) الصعود، التي اصبحت شاغرة بوفاة المرحوم الخوري يوسف أنطون.
- قدست فيها اول قداس يوم عيد مريم العذراء المحبول بها بلا دنس، 1978/12/08. عشت في ذلك البيت (الكنيسة) الى 1990/03/02. حيث انتقلت الصعود بكاهنها وشعبها كضيفة على خورنة مار كوركيس الشهيد – بغداد الجديدة، بسبب تنفيذ مشروع حزام بغداد الأخضر.
- اول قداس احتفالي قدسته في كنيسة الصعود الجديدة الحالية، في حي الامين، محلة 729/ ش 29/ مبنى 98، التي كان قد وضع المثلث الرحمة البطريرك بولس الثاني شيخو، كان قد وضع حجرها الاساسي في 1989/01/30 وبعدها توفي بتاريخ 1989/03/14، قدست فيها قبل ان يكمل بناءُها، يوم الاحد 1992/06/28.
- انتقلت نهائياً وسكنت في البيت الصغير الملاصق لها، بتأريخ 1992/01/30.
- بالرغم من ضيق المكان في ذلك البيت (كنيسة الصعود) فقد كان لنا عدة نشاطات دينية واجتماعية وترفيهية وإنسانية.
- وازدادت النشاطات، وازداد عدد المؤمنين المقبلين الى الكنيسة، وازداد عدد طلاب التعليم المسيحي كثيراً، ولم تعد كنيسة الصعود الجديدة، لا لمؤمنيها ولا لطلاب التعليم اذ لم يكن لها لا قاعة ولا غرفة واحدة للتعليم، لم تعد تستوعب تصاعد عدد طلابها وطالباتها.
- بتاريخ 2000/01/17 بدأنا بحفر اساسات القاعة وغرف التعليم في قطعة الارض الملاصقة للكنيسة بعد ان تم استملاكها وتوحيدها. اذ قام المهندس المعماري كمال بني بوضع خارطة البناء مع اخيه المهندس زياد بني ونفذها المهندس المدني آرا هراير.
- تم افتتاح القاعة (المجمع الجديد) يوم الاحد 2002/10/20 بحضور عدد كبير من المطارين والسفير البابوي. المجمع الجديد يحوي قاعة كبيرة فوق. تحت القاعة 5 غرف كبيرة للتعليم المسيحي مع اخرى صغيرة، مع هول كبير، وبجانب القاعة، ما بين الكنيسة والقاعة بيت كبير للكهنة ذي طابقين، يحوي 3 غرف سويتات، ديوان، ومكتب للكاهن، مطبخ، غرفة طعام. لكن هذا البيت لم يسكنه الكاهن، انما جعل منه مركزا صحياً خيرياً بسب حاجة المنطقة على كذا مركز صحي، خاصة بعد الاحتلال. ولا يزال فاعلاً الى اليوم، فيه 3 اطباء طب عام، طبيب سونر، مدير المركز، صيدلانية، محلل بايولوجي وممرضة، وفيه صيدلية مليئة بالادوية التي توزع باشراف الطبيب مجاناً على المراجعين.
- كانت خورنة الصعود خورنة كبيرة، أكبر كل الخورنات، واسعة بمساحتها وكبيرة بعدد سكانها المسيحيين، بحيث كان يسكنها أكثر من (4000) أربعة آلاف عائلة ولكن وللأسف، أكثر من ثلثي عوائلها سافروا اما الى الخارج او الى شمال العراق، ولازالت الهجرة مستمرة الى اليوم، رغم ان معالجتها صعبة جداً، ولكن مع الاسف لم يكن هناك معالجة جدية لها، لا كنسياً ولا سياسياً ولا وطنياً. كلنا متفرجون فقط، وسوف نبقى متفرجين مكتوفي الايدي الى ان تفرغ كنائسنا من المؤمنين. ولا اعلم ماذا سيكون مصيرنا نحن الاكليروس الذين كثيرون منا ساهم بتهجير أهله وأقربائه، وكثيرون منا هاجروا، لا اعلم ماذا سيكون مصيرنا، اما ان نسجل (شرطة) كحراس للكنائس، كما قال ايام زمان المرحوم القس متي ربان، او نهجر نحن ايضاً، وهذا هو المطلوب والمخطط له.