الباعوثـا كلمة سريانية تعني: طِلبة، إلتماس، تضرع.
طقسيا: هي زمن ليتورجي/ طقسي، تستمر مدة ثلاثة ايام، من الاثنين الى
الاربعاء، يسودها طابع التوبة والصوم والندم على ما يقترفه الانسان من زلات
وأخطاء ضد اللـه والانسان. تقع الباعوثا كل سنة في الاسبوع الخامس من موسم
الدنح، وبالتحديد قبل ثلاثة اسابيع من مجيء الصوم الكبير. في اليوم الثالث
والاخير يـحتفل بقداس رازي كبير وذلك لمناسبة انتهاء فترة الحداد والصوم
وبدء حياة جديدة.
ماذا نعرف عن الباعوثا؟؟؟؟؟؟؟؟
اولا: الباعوثا كتابيا (في الكتاب المقدس)
بـمجرد مطالعة سفر يونان النبي ذي الفصول الاربعة، فاننا سنقف على اساس
الباعوثا كتابياً (اي من الكتاب المقدس). اللـه يرغب بخلاص شعب نينوى،
ويونان يرفض ان يكون وسيطاً في هذا لاعتقاده بان شعب نينوى هو شعب غير
مؤمن، فيعاقب اللـه يونان اذ يلقيه في جوف الحوت ثلاثة ايام وثلاث ليال.
هنا يشبِّه يونان اعماق البحار وجوف الحوت وكأنـهما “مثوى الاموات”، واذ
يسمع اللـه تضرعه، يأمر الحوت بأن يبصق بيونان الى اليبس ثانية، انذاك
يتوجه يونان الى انذار نينوى فيتوب اهلها اجمعين ويصومون هم ومواشيهم على
الفور ومن دون معارضة او مُساءلة .
ثانيا: الباعوثا تأريخيا (تأريخ صوم الباعوثا)
يـمكننا القول بأننا هنا نواجه معضلة تـحديد وقت البدء او دخول صلاة الباعوثا في تقليدنا الكنسي الكلدانـي المشرقي.
لذا سنستند هنا على بعض المصادر اليسيرة التي منها نستطيع ان نستشف الزمن التقريبـي للباعوثا:
أ- الطقس الكلداني: من البديهي ان الطقس الكلدانـي قد ُرتب وُنظم في
حوالي(ق 7). كتاب الصلاة الطقسية: “الحوذرة ” يضع ديباجة لصلاة الباعوثا
ناسباً اياها الى سببين اولهما قصة يونان التي اتينا على ذكرها اعلاه،
وثانيهما قصة وباء الطاعون الذي فتك بعشرات الالاف، وكان هذا في منتصف (ق
6) جدير بالذكر ان هناك كنائس شرقية اخرى تحتفظ في طقسها بصلاة الباعوثا
ومنها: الكنيسة السريانية، والكنيسة القبطية (التي تحتفظ بالصوم ايضا)،
والكنيسة المارونية (اوقفتها منذ القرن 19)، وربـما هناك كنائس اخرى !
ب- مؤلفوا الصلوات: ان معظم صلوات الباعوثا الكلدانية يعود وضعها وتاليفها
الى الكاتبين القديسين العظيمين مار افرام (307م-373م) ومار نرساي
(399م-503م) ، اي في القرنين 4 و5. وصلوات واشعار الباعوثا موجودة في
مولفات الصلوات لهذين القديسيين، ومن الجدير بالذكر أن نرساي ولد في قرية
تقع شمالي شرق مدينة الموصل الحالية، فلا بد والحال هذه ان تكون ذكرى توبة
اهل نينوى موجودة وممُارسة في ايامه، هذا ان لم تكن سابقة لوقته بسبب اشعار
مار افرام حول توبة اهل نينوى التي سبقته بمدة ليست بالهينة.
ج-
قصة الطاعون “شرعوطا”: يُروى في تاريخ كنيستنا المشرقية بان وباء الطاعون
ضرب منطقة الشرق الاوسط عموماً، وبلاد ما بين النهرين على وجه الخصوص
واستمر الوباء مدى 4 سنين و (50 سنة حسب رأى البعض). بدأ الوباء يفتك
بالفقراء اولاً ثم ما لبث ان لحق بالاغنياء ايضاً، ولم يتوقف الملاك من حصد
النفوس الا بعدما انذر الناس بوجوب التوبة. من المؤكد بان الوباء توقف في
عهد الجاثاليق حزقيال (570م-581م) ويقول صاحب كتاب المجدل “ان مطران (بيث
كرماي) واسقف نينوى اتـفقا على اقامة صلاة وصوم مدة ثلاثة ايام لكي يرفع
اللـه عنهم هذا الوباء، وأَطلعا الجاثاليق على نواياهما فاستحسن الامر،
ودُعي: صوم نينوى او باعوثا نينوى، على غرار توبة اهل نينوى.واستجاب اللـه
ادعيتهم وقبل صومهم وابطل الوباء.
د- باعوثا دبثولاثا/ باعوثة
العذارى: قصة اخرى من تاريـخنا الكنسي في حدود (ق 8) زمن الدولة الاموية،
اذ هدد الوليد الاول المعروف بعدائه للمسيحيين، بنهب وسلب بلاد مابين
النهرين العليا، واسر اهلها وجعل راهباتـها جواري له ولحاشيته. هكذا قامت
الراهبات العذارى بتلاوة صلاة الباعوثا والتضرع الى اللـه بقلب مشتعل، كي
ينجيهن من بلاياهن، فيأخذ اللـه روح الملك المعتدي، وتنتهي محنتهن.
هـ – باعوثات اخرى: ما ان يبدأ المرء بالبحث عن موضوع الباعوثا حتى يجد
نفسه امام باعوثات اخرى يجهلها، فعلى سبيل المثال هناك باعوثا دمار زيا،
وهو قديس مشرقي من (ق 5)، تبدأ باعوثته من الاثنين الاول بعد الميلاد
وتستمر حتى الاربعاء. تعمل له الباعوثا لانه قديس بار وصانع معجزات. كما
وهناك باعوثا دمار ايليا … وربـما هناك اخرى.
ختاما
نستشف
مما سبق بان الباعوثا هي ارث اصيل في تراثنا الكنسي المشرقي، وهي ليست صلاة
حصرية على الكلدان فقط، بل انـها صلاة وممارسة دينية وتقوية الفتها شعوب
المشرق عموما. لذا لايمكننا ان نجزم بان اصل الباعوثا هو من عندنا، الا ان
قصة يونان المرتبطة بنينوى تشجعنا على الالتزام بـهذه الفكرة، إضافة الى
الظروف والعوامل التاريخية من نكبات وكوارث، كلها ساهمت في جعل هذه الصلاة
مظاهرة تقوية سنوية للتوبة الحقيقية النابعة من القلب.
باعوثا مباركة للجميع…..