كرست الكنيسة شهر حزيران لقلب يسوع الاقدس منذ عصور عديدة وبالذات في القرن السابع عشر. حيث انتشرت عبادة قلب يسوع بشكل واسع، وكان للقديسة مارغريت ماري الدور الاساسي بل هي الرائدة لنشره، بعد ان ظهر لها يسوع وطلب منها التعبد لقلبه.
فماذا يعني قلب يسوع :-
كلنا نعلم كمؤمنين مدى محبة الله للعالم وكيف خطط لخلاصه، حيث تجلت عظمة محبة الله في ارسال ابنه لفداء العالم. فيسوع ابن الله تجسد في احشاء مريم (( ستحبلين وتلدين ابنا وتسمينه يسوع وابن العلي يدعى ……)) لو 31:1 .
تجسد يسوع من مريم يعطيه كل الصفات الانسانية فهو بحق انسان كامل، وبهذا التجسد يعطينا يسوع المثال الحقيقي والاصيل للانسان، الذي هو صورة الله ومثاله. ولان قلب الانسان هو جوهره ومحور حياته، فله اهمية من الناحية الجسدية والعاطفية والروحية، فهو يمثل كيان الانسان وكل ما فيه من مقومات الحياة. (( لان من فيض القلب ينطق اللسان )) متى 34:12. فقلب الانسان هو شخصيته الواقعية الحقيقية والحرة من دون اقنعة ولا اغطية. هكذا حمل يسوع قلبا انسانيا ملئه المحبة والحنان وهكذا كان يعلم تلاميذه وكل من يتبعه.
فلو تأملنا في الكتاب المقدس وتعليم يسوع عن المعنى الحقيقي لقلب الانسان، سنجد انه يركز على المحبة الحقيقية الساكنة في عمق قلب الانسان حيث هي مصدر العطاء والفداء والتي تجعل من الانسان يسير خلف يسوع وبالتالي يكون بقرب الله.
فماذا يخبرنا الكتاب المقدس عن القلب :-
كثيرة هي الايات التي تتكلم عن القلب ومفهومه في الكتاب المقدس وسنحاول سرد بعضها للوصول الى المعنى الحقيقي لقلب الانسان وما له دور مهم واساسي في خلق انسان جديد.
نبدئها باعظم الوصايا :- ((احبب الرب الهك من كل قلبك……….. )) اي بكل كيانك وبكل ما فيك من مقومات داخلية وعمق في المشاعر والاحاسيس، وبكل البعد العاطفي لان الانسان يحب من قلبه. واي انسان بدون هذا القلب هو انسان ناقص. ولكي نملك هذا القلب الذي من خلاله نفهم حب الله، لابد من قلب جديد يغرس في احشاءنا وهذا ما انشده داؤد النبي في مزاميره، وما ذكره سليمان في سفر الامثال، وما نادى به الانبياء مثل ارميا وحزقيال، وهذه بعض من هذه الآيات :-
قلبا نقيا طاهرا اخلق فيً يا الله وروحا جديدا كون في داخلي. مزمور 12:51.
يا أبني امل قلبك الى المشورة واذنيك الى كلام المعرفة. سفر الامثال 12:23.
يا بني ان كان قلبك حكيما، يفرح قلبي انا ايضا. سفر الامثال 15:23.
يا بني اعطني قلبك، تلاحظ عيناك طريقي. سفر الامثال 26:23.
اما العهد الجديد الذي اعاهد به شعب اسرائيل بعد تلك الايام فهو هذا : اجعل شريعتي في ضمائرهم واكتبها على قلوبهم واكون لهم الاها وهم يكونون لي شعبا. ارميا 33:31.
انبذوا جميع معاصيكم واتخذوا قلبا جديدا وروحا جديدا، فلماذا تريون الموت يا شعب اسرائيل. حزقيال 30:18.
واعطيكم قلبا جديدا واجعل في احشائكم روحا جديدا، وانزع من لحمكم قلب الحجر واعطيكم قلبا من لحم، لتحفظون احكامي وتعملون بها. حزقيال 26:36.
في قلبي صنت كلمتك لئلا اخطأ اليك. مزمور 11:119.
هكذا كانت دعوات انبياء العهد القديم الى شعوبهم، بان يجتهدون ليملكوا قلبا نقيا، قلبا جديدا، قلبا من لحم يفيض بالمشاعر والاحاسيس الصادقة المملوئة من نعم الله، قلبا حيا نابضا بكل العواطف الحقيقية النابعة من محبة الله. لاقلبا حجريا مائتا،
كان لابد من تحقيق كل تلك الدعوات، وكان لابد من خلق جديد بل من عهد جديد يعلن بشرى الخلاص بشرى المحبة، لكي لايبقى احد بعد في ظلمة القلب الاعمى، ولكي تنبض القلوب بعهد جديد. هذا ما حققه يسوع المسيح بتجسده، ليكون لنا المثال الحقيقي للانسان والمعلم والنبي، هو ابن الله الذي استحق ان يتوج ملكا، هو كلمة الله التي اعطت لنا عهدا جديدا، بتعاليمه ووصاياه.
(( طوبى لانقياء القلوب لانهم يعاينون الله )) متى 8:5.
هنيئا لصاحب القلب النقي، لان قلبه نابض حي مشع بالنور يبصر من خلاله كل شئ بنقاء وصفاء، فهو يشاهد الله ولاشئ غير شريعته ووصاياه، يرى الفرح والسعادة في الاخر، يرى الحب الحقيقي الذي ملئه الفداء والخلاص.
هكذا علم يسوع بل وعمل بكل ذلك، واكد ان القلب هو مركز الايمان.
((فقال لهم يسوع : آمنوا بالله، الحق اقول لكم من قال لهذا الجبل قم وانطرح في البحر، وهو لايشك في قلبه بل يؤمن بان ما يقوله سيكون، تم له ذلك )) مرقس 22:11-23.
فالقلب المؤمن الذي لايشك بايمانه بل يكون واثقا مصدقا وثابتا، سيكون له كما قال الرب. فيسوع وليس سواه هو صاحب هذا القلب الصادق والنابض بكلمة الايمان، فمن قلب يسوع النابض بالكلمة سننال البر والخلاص بالايمان والشهادة، وهذا ما قاله الرسول بولس في رسالته الى اهل رومية :-
(( الكلمة قريبة منك في لسانك وفي قلبك اي كلمة الايمان التي نبشر بها، فاذا شهدت بلسانك ان يسوع رب، وآمنت بقلبك ان الله اقامه من بين الاموات، نلت الخلاص. فالايمان بالقلب يقود الى البر والشهادة باللسان تقود الى الخلاص )) رمية 8:10-10 .
واذا جعلنا من يسوع يسكن قلوبنا فنحن متاصلين وثابتين في المحبة :-
(( وان يسكن يسوع المسيح في قلوبكم بالايمان، حتى اذا تاصلتم ورسختم في المحبة)). افسس 17:3.
لذا فقلب يسوع هو رمز للحب الالهي اللامتناهي، وهو مصدر ايماننا ومنبع حياتنا، هو العمق الحقيقي للمعاني السامية الناسوتية واللاهوتية. فهنيئا لنا بقلب يسوع الاقدس، الذي يشع بنوره لينير قلوبنا بالايمان والرجاء والمحبة.
((يا يسوع الوديع والمتواضع القلب اجعل قلبنا مثل قلبك الاقدس))
اذكرونا في صلواتكم………
اخوكم
باهر بديع قودا