بقلم رامي جنان فتوحي
إن ميلاد رب المجد يسوع المسيح بالنسبة الينا ليس مجرد عيد كغيره من الأعياد، انما هو ميلاد المحبة والذي يبعث فينا السلام والخير والشفاء. فيسوع المولود في مغارةٍ تقطنها الاغنام هو مخلص العالم ومعلم الحب للعالم انه يسوع المسيح، فميلاد المسيح الرب هو بداية لمدرسة جديدة اسسها على الارض ليستقي الجميع من تعاليمه الالهية، لذلك فإن حياة يسوع هي مدرسة روحية حقيقية مليئة بالحب الذي يناله كل من يقبل بيسوع المسيح في حياته فهو الطبيب المشافي والمعزي وقوت الجياع والمساكين. هذا المولود الذي اصبح رمزاً للمحبة والتواضع في البشرية بأسرها. كان هذا الحب يتنقل بين المهمشين والمستبعدين والمرفوضين، فحب يسوع تُجسّده شواهد كثيرة منها قصة السامري الصالح والمرأة الكنعانية وشفاء ابنتها من الروح الشريرة وشفاء الاصم في صيدا واطعام الخمسة الاف وغيرها من الشواهد التي يزخر بها الإنجيل المقدس. اراد الرب من خلال كل مثل ومعجزة ان يوقظ في نفوس الكثيرين الرحمة والمحبة التي افتقدوها بسبب الخطيئة المميتة التي تملكت نفوسهم الضعيفة. إن مجيء المسيح هو رسالة لكل الأزمان فالمسيح هو الامس واليوم والغد. وُلِدَ يسوع في عالمٍ مليءٍ بالخطيئةِ مُظلم جداً في ليلةٍ باردة وسطٍ عالم بارد روحياً، فولادته كانت دفئاً لهذا العالم.
مريم و يوسف مثال العائلة المقدسة الصالحة
إن حياة يسوع في هذه العائلة المقدسة كانت لا تخلو من المصاعب فمثلا ولادة يسوع في ظروف صعبة فقد وُلِد في مغارة ووُضِع في مِذود، وما ان سمع هيرودس القيصر بمولده امر بقتل الاطفال دون السنتين. لذا هرب كل من يوسف ومريم الى مصر ومن ثم عادا الى اسرائيل، كما تتخلل سيرة حياة العائلة خوف مريم على يسوع لجرأته فقد كان يحضر مجالس رجال الدين ويجادلهم بأمور كتابية، مما جعل مريم تبحث عنه بين فترة واخرى لأن يسوع مثال المعلم الصالح واقفا يجادل ويُدهش كل من يتحاور معه، على الرغم من كل الصعوبات التي واجهها يوسف ومريم فإن حب الله كان يغمرهما وكانا واثقين من ان العناية الإلهية حاضرة مع يسوع الذي امتثل لطاعة كلمة الله الآب.
الإنسان مخلوق على صورة الله و مثاله
إن إختيار الله الآب في ان تحمل العذراء مريم ابنه الوحيد في احشائها انما هو تكريم الله للانسان وحبه المطلق له و ذلك دليل على تميز الانسان عن سائر المخلوقات، إذ ان المسيح تشكل في احشاء مريم كما يولد اي انسان، لأن الله احب الانسان فعاش معه ليكون قريب من معاناته ويضمد جراحه التي خلفتها الخطيئة فيه. فالمسيح هو دواء لكل من يعاني من داء، إذ إن اختيار الله ليكون بين البشر يحمل معاني التواضع الالهي الذي ترجمته حياة رمز المحبة يسوع المسيح في العهد الجديد.
ولادة يسوع و حياته تحملان معاني التواضع
لعل احدى سمات شخصية المسيح الفريدة هي التواضع, كما ان حياة المسيح مليئة بدروس وعِبر تعلمنا التواضع ومنها ولادته في مذود في بيت لحم كما انه عاش حياة متواضعة جداً في قرية تُدعى الناصرة، وإن مربيه يوسف كان نجاراً وهنا كلمة النجار تعني الشخص الذي (يعمل بيديهِ) كنايةً على امتهانه مهنة متواضعة، وقد كانت هذه الحياة المتواضعة التي عاشها الرب يسوع في مدينة الناصرة بالنسبة لواحد من تلاميذه وهو نثنائيل شيء عجيب حين قال “وَهَلْ يَطْلُعُ مِنَ النّاصِرةِ شيئٌ صَالحٌ؟”….(يوحنا1: 46) حتماً هنا الأعمال هي اعلى صوتاً من الاقوال لأن المسيح لم يتكلم فقط وإنما عَلَّمَ و عمل في حياته فهو مثال الإنسان الكامل والرائع في حياة كل واحد منا.
ثمة صورة اخرى تعبر عن تواضع يسوع المسيح خلال حياته الارضية. ففي المعموذية عند نهر الاردن انحنى يسوع امام يوحنا ليعمذه فتعجب يوحنا لأنه -وبحسب قناعته- لم يكن مؤهلاً لتعميذ الرب، لكن حكمة الرب يسوع من هذه المعموذية هي الطاعة والانحناء والتواضع وهو الدرس الذي اعطاه يسوع المسيح للإنسان. اضافةً الى كل ما تم ذكره قبل ان ينتقل مسيح المحبة والتواضع من عالمنا الارضي الى العالم السماوي ليلتقي الآب القدوس اعطى درساً مهماً عن التواضع في غسل ارجل التلاميذ ايضاً، لأن الرب يسوع كان خادماً نموذجياً وهذا ما بينه لتلاميذه، انه مستعد للخدمة، فهل نحن اليوم مستعدون للتواضع وخدمة الاخرين؟
ميلاد المسيح… حدث عظيم و مبارك لبني اسرائيل
يُعد ميلاد يسوع المسيح الحدث الاعظم في التأريخ بكل ما سطرته البشرية من حكايات وقصص. إذ إن قصة الميلاد هي مصدر شرارة الحب الأولى في نفوس الخاطئين، فتلك الولادة التي انتظرها اليهود طويلاً ما ان تمت زفت البشرية الأخبار السارة عن الرب يسوع الآتي لجميع الضعفاء وثقيلي الاحمال والبسطاء. إن مجيء رب المجد ورب الارباب كان يشمل كل انسان متضع القلب ومستعد لقبول الرب في حياته, واليوم لدينا الكثير من الشباب الخاطئين الذين يفتقدون للايمان او لديهم مفهوم آخر بأن الإنسان الخاطئ لايمكن ان يتقرب الى الله ويعود الى الرب الغفور والرحوم…. في الحقيقة ان ولادة مسيح المحبة ازالت كل فكرة خاطئة لدى البشر وظلت هذه الولادة العجيبة نتعلم منها حتى يومنا هذا، لأن نظرة الرب للإنسان هي: مهما كنت ايها الإنسان ومهما كانت اعمالك خاطئة يمكنك ان تقبل المسيح في حياتك. لا تظن انك محتاج الى مؤهلات غير عادية لكي يتقبلك الرب، لأنه يقبلك كما انت ومهما كنت.