و عاد الصعود
وعاد الصعود مرة أخرى ” يا هلا ويا مرحبا باللي جانا” بالعيد وبصاحب العيد, نقولها بقلوبنا قبل شفاهنا، نحياها في ضمائرنا قبل أفعالنا، قائلين : حللتَ أهلاً بين أهلك، ونزلت سهلاً في بيتك في الصعود ايها الرب يسوع.
فالصعود شباب، والشباب صعود وأمل ومستقبل.
وكل أمل لابد له أن يحوي ويعيش فرحاً وسروراً وتطلعاً، ليكون أملاً.
والمستقبل المنشود والمريود، هو ما يبنى بهذا الصعود وبهذا الأمل.
فالصعود حياة بكل مقوماتها الايجابية – حركةٌ, صخبٌ, هوسة، خليةٌ, بل خلايا نحلٍ، هذا يركض، وآخر يخطط، هذه ترسم، وتلك تكتب وتعلم وترتب …
سألتهم وسألوني، فأجبنا سوية : إنه المهرجان، إنه العيد، عيد صعود ربنا الى السماء، عيد كنيستنا.
أغمضتُ عيون جسدي، وصمّيتُ آذاني كي لا أرى ولا أسمع، وسرتُ مشياً في أزقة التاريخ، دخلتُ غياهب الدهور السالفة، فالتقيتُ الأنبياء وسألتهم عن الذي تنبأوا عنه : أين هو ؟ كيف هو ؟ ومن هو ؟ وما هو ؟ ابتسموا لي وتركوني وختفوا !
مررتُ طيراناً على أجنحة شركة طيران النسر، نزلتُ في حارة الرسل والآباء والقديسين، أستفسر منهم عن معلمهم الذي صلب على خشبة الصليب، أين ربكم ؟ إنه ليس على الصليب، ألم تدفنوه ! إنه ليس في القبر أيضاً !
قهقهوا فرحاً, ورتلوا : هليلويا، إنه قد قام وصعد الى السماء, صعد الى السماء ؟ تركنا ! … قلتُ لنفسي, لأذهب الى بيت لحم، الى القدس، وأحل ضيفاً على العذراء مريم أمه، لعلني هناك ألقاه في بيت أمه فحنَّتْ لي أمه بمشاعرها الأمومية الحميمة, هامسة في أذني، فرحةً مسرورةً بابنها، قائلة لي: يا بنيّ، إنه قد جعل من كل الناس أماً وأخاً له، فليس له بيت خاص به، وأنّى لي ولك أن نمسك به … فتشوا عنه في أي مكان ! نعم إنه صعد الى السماء، لكنه نزل بروحه ثانية الى الأرض ليبقى معكم، فهو موجود في كل مكان، موجود في الصعود عندكم … شكراً لكِ يا مريم يا أم المسيح وأمنا، نعم ابنك يسوع في حدث صعوده الى السماء فسر لنا معاني ايمانية كثيرة :
1- صعوده هذا يعني ان شكل علاقته مع تلاميذه، معنا، هذه العلاقة الحسية الجسدية المؤقتة التي عاشها لفترة قصيرة قد توقفت واستبدلت بعلاقة روحية شاملة مع المؤمنين.
2- ارتفاعه الى فوق، صعود المسيح الى السماء، لكي تمجده السماوات على ما حققه على الأرض.
3- بصعوده الى السماء، أصبحت السماء، مكان صلة كيان الرب يسوع بكيان الله، واللقاء الحميم بين الله والإنسان.
4- صعود الرب الى السماء، أصبحت السماء مستقبل الإنسان، مستقبل البشرية وطموحها. بهذا المعنى نفهم قول يسوع لتلاميذه في العشاء الأخير “إني ذلهب لأعدّ لكم مكاناً ولتكونوا أنتم أيضاً حيث أكون أنا” خير لكم أن أمضي.
5- بالصعود أصبح ليسوع وجه جديد لوجوده في الحياة، هذا الوجود لم يعد خارجياً أو محدداً بالمكان والزمان، بل أصبح وجوداً باطنياً ايمانياً وروحانياً شاملاً … يقول مار بولص “صعد المسيح الى السماء ليكمل كل شيء” (أفسس 4/10)
6- صعود المسيح يعني احتراماً لحريتنا، وإقراراً منه بأننا بالغون ومسؤولون عن قراراتنا، تقاسم معنا مسؤولية مسيرة الحياة “خير لكم أن أمضي، إن لم أمضي لا يأتيكم الروح القدس – روحه معنا، يعضدنا، يعلمنا كل شيء ويذكرنا بكل شيء، وسيبقى معنا الى انقضاء العالم.
القس جميل نيسان